عبر مراحل التاريخ وحتى زمننا هذا الذي تطور فيه الطب الحديث في دولة الإمارات العربية المتحدة إلى درجة أصبحت فيها الإمارات تواكب أكثر الدول العالمية تقدما في الطب، ليس هذا فحسب بل إن مستوى الخدمات الصحية في الإمارات يأتي في مرتبة متقدمة إذا ما قورن بمستوى هذه الخدمات في العديد من الدول الأخرى. وما زال بعض الناس (وليسوا قلة) يتداوون بالطرق التقليدية في العلاج، سواء كانت هذه الطرق معالجة بالأعشاب أو المعالجة الدينية. ولهذا فإن القائمين على هذا النوع من التداوي ما زالوا يمارسون مهنتهم ويتوارثونها أبا عن جد، ولم يتراجع الإقبال على ممارستها كما هو الحال في مهن تقليدية أخرى. وسوف يتناول هذا الفصل بعضا من هذه الأسماء التي إشتهرت في هذا المجال.
لقد إشتهرت العديد من الأسماء التي مارست المعالجة التقليدية (الطب الشعبي) وقد يكون من الصعب إدراج هؤلاء تحت فترات زمنية أو مراحل مختلفة، كما أن تقسيما كهذا لا يضيف كثيرا إلى الموضوع نظرا لإتصال خبراتهم وتماثلها في كثير من الأحيان، مما يشير إلى كون (العامل الزمني) لا يعطي مدلولا خاصا في هذا الموضوع. ومما هو جدير بالذكر هنا التأكيد على بروز دور المرأة في ممارسة هذه المهنة والمشاركة فيها وهي بالإضافة إلى مشاركتها فقد برعت في العديد من المعالجات.
1- رفيعة بنت ثاني :
وممن إشتهرن بممارسة هذه المهنة السيدة رفيعة بنت ثاني ( زوجة السيد ناصر بن لوتاه ووالدة الشاعر حسين بن ناصر بن لوتاه)، وقد عرفت هذه السيدة بقوة شخصيتها وبمكانتها الاجتماعية بين الشيوخ وكبار القبائل. وبالإِضافة إلى هذا فقد عرف عنها براعتها وجرأتها في العلاج. فمما روي عنها أنه كان يؤتى إليها بجرحى بعض الحروب والمنازعات وكانت تقوم بمعالجتهم. ومن أشهر القصص التي رويت عن جرأتها في العلاج أنها كانت تتعامل مع الجروح البالغة كجروح الرقبة – والتي تعبر من الحالات الصعبة حتى في الوقت الحالي نظرا لشدة النزف وحساسية هذه المنطقة وكثرة الشرايين والأوردة فيها – بأن تقوم بمعالجة الجروح بمواد قابضة كاللبان العربي والسكر حتى يلتئم الجرح ثم تقوم بمعالجته بمواد مطهرة كما تسمى اليوم كالخل والزعتر.
وقد ذكر عن رفيعة بنت ثاني أنها كانت ترجع في معالجتها للأمراض إلى كتاب (الحكمة) للطبري حيث كانت تستعين به في معرفة بعض الأمراض وطرق علاجها. وكان أغلب مرضاها أو من يترددون لطلب علاجها هم من مرضى العيون حيث كانت تضع لهم علاجا خاصا مكونا من المادة الموجودة بجوف المحار أي في المكان الذي تكون فيه اللؤلؤة. وتقوم بجمع هذه المادة وتجفيفها ثم طحنها إلى ان تتحول إلى مسحوق ناعم، ثم تقوم بإضافة بعض المواد الأخرى التي إستقتها أيضا من كتاب الحكمة وبعدها تستعمل هذه الخلطة في معالجة بعض أمراض العيون.
كما برعت ايضا في علاج بعض الامراض الجلدية كالقروح التي تظهر في الوجه أو إجزاء اخرى من الجسم حيث كانت تداويها بإستخدام ماء الورد الخالص أو ما يعرف اليوم (بقطر الورد). ومما يحمد لها أنها كانت تتعامل مع إستخدام الدواء بحذر شديد حيث أنها إكتشفت وقدرت حساسية بعض البشرات لمثل هذا الدواء فكانت تضعه أو تقوم بإستعماله على منطقة صغيرة أو محددة لمعرفة مدى تقبل الجلد له فإن أثبت قابليته له قامت بإستخدامه على نطاق أوسع. وبالفعل إستطاعت علاج العديد من حالات التقرح كما يروى عنها باستخدام هذا الدواء.
2- صالح المطوع :
وقد يكون من اشهر الاسماء في المعالجة بالطب الشعبي في السنوات الأخيرة السيد صالح المطوع (رحمه الله) الذي إلى جانب إشتهاره بممارسة هذا النوع من العلاج فهو الوحيد الذي ترك مؤلفا في هذا المجال وهو عبارة عن مخطوطة مكونة من سبعة وستين بابا. وقد شملت هذه الابواب جميع أجزاء جسم الإنسان ومعظم الأمراض المعروفة، وتناول علاج كل الامراض سواء كانت بسيطة أم معقدة. ورغم أنه لا يتسع مجال هذا البحث – (الصورة التالية صورة لاحدى صفحات المخطوطة) – لذكر المزيد من التفاصيل حول هذا المؤلف الطبي إلا أنه يعد نموذجا لتطور المعارف الطبية الشعبية لدى بعض ممارسي الطب من أبناء مجتمع الإمارات، والاسماء المعاصرة في مجال ممارسة الطب الشعبي كثيرة، حصرها الكاتب عبدالله عبد الرحمن – الذي كان له دور إعلامي بارز في إلقاء الضوء على هذا الجانب من التراث – حصرهم في قائمة طويلة وصلت إلى ثلاث وخمسين اسما من مختلف مناطق الدولة، لعل أشهرهم السيد احمد بن سالم بن مزروع من الشارقة.